أمريكا وكوريا الشمالية: معالم المرحلة المقبلة
يمنات
بعدّ التهديد والوعيد الذي صدر عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه كوريا الشماليّة، والرد الناري للأخيرة، يبدو أن العلاقات بين البلدين تسير بخلاف التوقّعات.
وبدل أن نسمع بصواريخ المدمّرة الأمريكية، فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صاحب التصريحات الناريّة، فاجأ الجميع قبل أيام عندما أكّد استعداده للقاء الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، “في الظروف المناسبة” قائلاً في تصريح مفاجئ مع قناة بلومبرغ: “إذا كان مناسباً أن ألتقيه، فسأفعل بكل تأكيد، سيشرفني ذلك”.
لم يكن الموقف الأمريكي هذا ليظهر للعلن لولا الصرامة الكورية التي ظهرت على لسان كيم جونغ أون الذي يصفه ترامب بالماكر بسب نجاحه رغم صغر سنّه والطموحات المتقاطعة لدى كبار الضباط في فرض نفسه بالسلطة، كما أن الفيتو الصيني والموقف الروسي ردّاً على أيّ تحرّك أمريكي عسكري، عزّز من كبح الجماح الأمريكي في الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع بيونغ يانغ.
اللافت أنّه بعد أيّام على كلام ترامب، أعلنت وزارة الأمن القومي في كوريا الشمالية عن إحباط عملية سرية مشتركة بين وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “CIA” والاستخبارات الكورية الجنوبية تهدف لاغتيال الزعيم الكوري الشمالي باستخدام مادة كيميائية بيولوجية سامة، لتطالب بعدها أمريكا بالاعتذار عن محاولة اغتيال الزعيم كيم جونغ أون، ومحاسبة الأشخاص المسؤولين عن المخطط.
المطالبة الكوريّة بمحاسبة المسؤولين، تأتي بعد فترة وجيزة على تصريحات وزارة الأمن القومي بأنّها “ستمحو من وجه الأرض” الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية وتلك التي تتبع جارتها الجنوبية و”ستقضي على جميع عملاء العدو حتى آخر شخص منهم“، فهل سنشهد تقارباً كوريّاً أمريكياً سريّاً في المرحلة المقبلة؟
لا يمكن التعويل على جملة من المتغيّرات البسيطة، إلا أن ظهور هذا القليل ينمّ عن وجود الكثير تحت الطاولة الأمريكية التي وجدت نفسها غير مستعدّة للدخول في مواجهة مباشرة مع كوريا الشمالية، إلا أنّها في الوقت عينه لا تستطيع البقاء مكتوفة الأيدي إزاء التسلّح الكوري، وهذا الأمر دفع بالكثيرين لتفسير كلام ترامب على أنّه محاولة لاستيعاب بيونغ يانغ.
وذهب بعض المحللين السياسيين إلى اعتبار بيونغ يانغ أنّها وقعت في الفخّ الأمريكي عبر مطالبتها بالاعتذار، الأمر الذي قد تتخذه واشنطن ذريعة للدخول في مفاوضات سريّة مباشرة مع بيونغ يانغ، وهو الذي يؤسس بدوره لمرحلة جديدة من المواجهة بين البلدين تتّسم بالطابع الناعم، بخلاف كافّة التحليلات التي خرجت في الآونة السابقة، متماهيةً مع التصريحات الناريّة بين البلدين.
معالم الخط السياسي يمكن أيضاً قراءتها، وفق مراقبين، في البيان الذي صدر عن كوريا الشماليّة ردّاً على السيناتور الأمريكي عن الحزب الجمهوري، رئيس لجنة شؤون آسيا الشرقية ومنطقة المحيط الهادئ في مجلس الشيوخ الأمريكي كوري جاردنر، حيث اعتبرت بيونغ يانغ كلمات السيناتور استفزازا، وأنه يعاني من أعراض مرض نفسي، معربة عن أسفها من أن واشنطن تصغي إلى رأي شخصيات سياسية تعاني من أعراض كهذه.
ما يعزّز رؤية “الاشتباك الناعم” مع كوريا هو الحديث عن إقامة وحدة تتولى جمع وتحليل المعلومات الاستخبارية البشرية والمعروفة باسم هومينت حول كوريا الشمالية من خلال المصادر البشرية والاتصال بوكالات المخابرات الاخرى، رغم أن البعض يذهب بتحليل هذا الأمر إلى البُعد العسكري، إلا أن تجارب محاولات الاغتيالات الأمريكية لزعماء العالم تعزّز رؤية المواجهة الناعمة، أي غير العسكرية المباشرة.
حتّى الساعة امتنع البيت الأبيض عن التعليق على تصريحات بيونغ يانغ الأخيرة، إلا أن تكرار ترامب رغبته في التخلص من التهديد النووي لكوريا الشمالية، وعدم عزمّه، لأسباب تتعلّق برؤيته التجاريّة من ناحية، وقوّة كوريا وتحفّظ دول كبرى من ناحية أخرى، يؤكد أن الباب العسكري بات مغلقاً أمام أمريكا، هذا ما يدفعها للتوجّه إلى طاولة مفاوضات سترفضها كوريا ابتداءً ، وفق مراقبين.
بصرف النظر عن الردّ الكوري على أي مطلب أمريكي للحوار تحت الطاولة، إلا أن الزعيم كيم يأبى كسر شوكته السياسية والعسكرية، لأن ذلك سيضعه أمام تحدّيات أكبر في الداخل الكوري، وهو الأمر الذي قد يدفع بواشنطن للسير في خط موازي، الأوّل يمثّل في تخفيف حدّة الهجوم الإعلامي على كوريا، والآخر الدخول الناعم إلى كوريا الشمالية، علّها تنجح في تصفية الزعيم الكوري عبر محاولات اغتيال ستكرّر مع الأيّام.
إن المخابرات المركزيّة الأمريكية المتهمة باغتيال العديد من زعماء العالم، قد تعيد الكرّة لمرّات مع الزعيم الكوري، ومن ضمن هؤلاء الزعماء رئيس الإكوادور خايمي رودلس، رئيس بنما عمر توريخوس،الرئيس الكونغولي باتريس لومومبا، الجنرال نغو دييم رئيس فيتنام الجنوبية والزعيم والرئيس الكوبي فيدل كاسترو الذي تعرّض لـ638 محاولة فاشلة منذ عام 1959 وحتى تنازله عن رئاسة الجمهورية إلى أخيه الأصغر “راؤول كاسترو” في العام 2008.
ولكن هذا لا يعني بقيّة الخيارات جانباً، بل ستمارس المزيد من الضغوط الاقتصادية، وتقديم الاغراءات في حال أبدت بيونغ يانغ رغبةً بالتراجع، فعندما ترى واشنطن “العين الحمراء” من أعدائها، تتريّث ألف مرّة قبل الإقدام على أيّ خطوة متهوّرة.
المصدر: الوقت